أشرف على Admin
المساهمات : 66 تاريخ التسجيل : 17/09/2009
| موضوع: علوم اللغة في التراث العربي الجمعة نوفمبر 06, 2009 12:27 am | |
| علوم اللغة في التراث العربي (* ) اهتم عدد من الباحثين العرب بعلوم اللغة منذ بداية الحركة العلمية في إطار الدولة الإسلامية ، فكانت لهم جهودهم في مجالات الأصوات وبناء الكلمة وبناء الجملة والمفردات . وكان المشتغلون بعلوم اللغة يصنفون إلى مجموعتين : تهتم المجموعة الأولى ببنية اللغة ، وتهتم المجموعة الثانية بمفردات اللغة ودلالاتها . وقد وُصِفَ مجال البحث عند المجموعة الأولى بأنه " النحو " أو " علم العربية " ، بينما وصف مجال بحث المجموعة الثانية بأنه " اللغة " أو "علم اللغة" ، أو "فقه اللغة" أو " متن اللغة ". وإلىجانب هذه المصطلحات ، ولكل منها تاريخ مستقل ، وُجدت محاولات لوصف علوم اللغة مجتمعة ، فسميت " علم اللسان " أو " علوم اللسان العربي " أو " علوم الأدب " أو " العلوم العربية " ، كما وجُدت إلى جانب هذا محاولات لبيان ترابط هذه الأفرع وإيضاح النسق الذي يتخذه كل منها في إطار البحث اللغوي العام . 1- النحو علم العربية : أطلق علماء اللغة على دراسة بنية اللغة من جوانبها الصوتية والصرفية والنحوية في التراث العربي اسمين اثنين ، هما النحو ، وعلم العربية ، ويرجع مصطلح النحو إلى القرن الثاني الهجري ، وظل مستخدما لوصف هذا المجال من مجالات البحث إلى يومنا هذا . لقد ُصنف كتاب سيبويه بأنه كتاب في النحو ، ووصفه أبو الطيب اللغوي (ت 351هـ) بأنه "قرآن النحو " كما وصف سيبويه بأنه " أعلم الناس بالنحو بعد الخليل "(1) ، ويضم النحو بهذا المعنى مجموعة من الدراسات التي تصنف في علم اللغة الحديث في إطار الأصوات وبناء الكلمة وبناء الجملة . إن سيبويه صاحب أقدم كتاب وصل إلينا في النحو العربي - لم يقسم كتابه إلى موضوعات كبرى متميزة ، وإنما اكتفى بحشد الأبواب الكثيرة متتابعة. لقد بدأ كتابه بقضية الإعراب والنقل منها إلى عدد من القضايا الخاصة ببناء الجملة ، وعندما تحول بعد ذلك إلى الأبواب الخاصة بالأبنية الصرفية وجد لزاما عليه أن يفسر بعض الأبنية في ضوء البحث الصوتي فجاءت الأبواب الخاصة بالأصوات في آخر كتابه. لم يضع سيبويه مصطلحات تميز في وضوح قطاعات الأصوات وبناء الكلمة وبناء الجملة ، فكل هذا يدخل عنده في مجال واحد هو مجال النحو. وظل الباحثون في القرون الأولى للهجرة يستخدمون مصطلح النحو في أكثر الأحوال بهذا المعنى العام . يضم النحو في تعريف ابن جني (ت 391هـ) المجالات التالية : الإعراب ، التثنية ، الجمع ، التحقير ، التكسير ، الإضافة ، النسب ، التركيب ، وغير ذلك ( ) . فالنحو يضم عند ابن جنى هذه الدراسات التي تصنف الآن في إطار بناء الكلمة إلى جانب ما يتعلق ببناء الجملة. ويتناول علم النحو عند أبي حيان الأندلسي " معرفة الأحكام للكلم العربية من جهة إفرادها ومن جهة تركيبها" ( ) ، أي أنه يبحث بنية الكلمة المفردة وعلاقات الكلمات في الجملة . وظل كثير من النحويين يعدون النحو شاملا لكل هذه الدراسات ، فالنحو عندهم يتناول كل ما يتعلق بالكلمة والجملة . لقد ألف ابن الحاجب (ت646هـ) كتاب " الكافية" في النحو ويتناول فيه القضايا الخاصة الإعراب وبناء الجملة بينما خصص لبناء الكلمة كتاباً آخر هو " الشافية" ولكنه على الرغم من هذا التقسيم ظل ابن الحاجب يعد " التصريف " قسماً من النحو لا قسيماً له ( ). وهناك مؤلفون آخرون استخدموا كلمة النحو بمدلول أضيق ، فقصـــــــروا استخدام هذه الكلمة على البحث في بناء الجملة ، وبهذا المعنى المستقر للمصطلح في القرون المتأخرة للحضارة العربية الإسلامية( ). وهناك مصطلح آخر وصف به البحث في بنية اللغة ، وهو مصطلح " العربية" أو " علم العربية " . لقد وصل إلينا المصطلحات في مؤلفات القرن الرابع الهجري، فابن النديم وابن فارس يستخدمان مصطلح العربية بمعنى النحو. فعندما نوقشت قضية أولية التأليف في النحو نجد عندهما العبارة التالية : "أول من وضع العربية ( ) ... " وظل استخدام هذين المصطلحين في كتب المشارقة في القرون التالية يمثل ظاهرة فردية محددة ، على نحو ما نجد في مؤلفات ابن الأنباري (ت 577 هـ) ، ولكن المغاربة والأندلسيين كانوا يفضلون وصف ذلك التخصص بأنه " علم العربية ". لقد ذكر أبو البركات بن الأنباري مصطلح العربية في مواضع كثيرة بمعنى النحو كما جاء هذا المصطلح في تراجم كثير من العلماء ، فعند يونس بن حبيب يلتقي " طلبة العربية وفصحاء الاعراب " ( ) . والزبيدي " أخذ علم العربية من أبي عمرو بن العلاء وعبد الله بن اسحق الحضرمي والخليل بن أحمد " ( ) . كما وصف ابن الأنباري كتابه الإنصاف بأنه " أول كتاب صنف في علم العربية " ( ) حول القضايا الخلافية ، وسمي ابن الأنباري أحد كتبه في النحو " أسرار العربية ". ولكن استخدام مصطلحي العربية وعلم العربية بمعنى النحو يعد ظاهرة محدودة الانتشار عند المشارقة مثل ابن الأنباري. أما في المغرب والأندلس فهناك نصوص كثيرة توضح تفضيلهم لمصطلح "العربية" ، ففي القرن الرابع الهجري ذكر الزبيدي (ت 379هـ) في تراجمه لكثير من علماء الأندلس المغرب مصطلح " العربية" بمعنى النحو. فإذا كان المشارقة قد كتبوا عن " النحو " و " اللغة " ، فإن الزبيدي ذكر في مواضع كثيرة " العربية " و " اللغة " ( ) . و " العربية " أو " علم العربية" عند الزبيدي مصطلحان دارا كثيراً في مؤلفاته بمعنى النحو ( ) . وليس استخدام مصطلحي " العربية " و "علم العربية " عند الزبيدي سمة فردية خاصة ، فالمصطلحان وردا في كتب مغربية وأندلسية كثيرة ( ) ، كما وردا في تراجم أندلسية تناقلتها كتب الطبقات ( ). وهناك مواضع كثيرة عند ابن خلدون توضح أن المغاربة والأندلسيين كانوا قد اعتادوا حتى عصره التعبير عن النحو بمصطلح " العربية " أو " علم العربية ". لقد وصف ابن خلدون كتاب سيبويه بأنه في علم العربية وأن ألفية ابن مالك في العربية أيضا ( ) . واذا كان ابن خالويه ( ت 270هـ) وهو أحد علماء المشرق قد استخدم عبارة " أهل صناعة النحو " ، فإن ابن خلدون وهو مغربي قد ذكر في نفس المعنى عبارة : " أهل صناعة العربية " ( ) . وقد أطلق ابن خلدون على القواعد النحوية مصطلحين مترادفين هما : " قوانين العربية " و " القوانين النحوية"( ). ومن هذا كله يتضح أن المغاربة والأندلسيين كانوا يستخدمون مصطلح العربية في الوقت الذي كان فيه المشارقة يميلون إلى مصطلح النحو. ظل النحو عند المشارقة أو علم العربية عند المغاربة يضم الدراسات الخاصة ببنية اللغة من جوانبها المختلفة . وعندما ألف المازني (ت 249هـ) كتابه "التصريف " لم يكن البحث في بناء الكملة إلا جزءاً من النحو بالمعنى الشامل . لم يضع سيبويه اصطلاحا مستقلا للعلم الذي يبحث بناء الكلمة ، ويبدو أن المازني من أوائل من خصصوا للأبنية الصرفية كتبا مستقلة ، وكتابه "التصريف" أقدم كتاب مستقل كامل وصل إلينا في الأبنية الصرفية وقد حدد ابن جنى (ت 391هـ) مجال البحث في التصريف بأنه معرفة " أصول كلام العرب من الزوائد الداخلة عليه " وأن التصريف هو الأساس الذي تقوم عليه معرفة الاشتقاق ( ) ، ولم يكن التصريف عند ابن جني إلا جزءا من النحو . وألف ابن عصفور الأندلسي (ت 669هـ) في بنية الكلمة كتابه "الممتع في التصريف" ، والتصريف عنده جزء من البحث في " علم العربية"( ) . وصرح الاستراباذي (ت 681هـ) بأن التصريف جزء من أجزاء النحو بلا خلاف من أهل الصناعة ( ) . أما مصطلح " الصرف" الذي استقر في الاستخدام المدرسي بعد ذلك فهو اصطلاح متأخر نسبيا . فالسكاكي ( ت 617هـ) استخدم مصطلح الصرف في حديثه عن الأحكام الخاصة ببنية الكلمة ( ) ، وبهذا المعنى ذكر طاشكبري زاده علم الصرف ( ) . ويلاحظ عند هؤلاء المؤلفين المتأخرين أن الصرف عندهم ليس جزءا من النحو ، بل هو قسيم النحو . وهكذا استقر مجال علم النحو عندهم باعتبار أنه دراسة الإعراب وبناء الجملة في مقابل الصرف الذي يتناول بنية الكلمة. 2- اللغة وعلم اللغة وفقه اللغة : أطلق المؤلفون العرب على الاشتغال بالمفردات اللغوية جمعا وتأليفا عدة مصطلحات أقدمها مصطلح " اللغة" . لقد وصف أبو الطيب اللغوي (ت351هـ) أبا زيد والأصمعي وأبا عبيدة ، وقارنهم من جانب معرفتهم باللغة، " كان أبو زيد أحفظ الناس للغة ، وكان الأصمعي يجيب في ثلث اللغة، وكان أبو عبيدة يجيب في نصفها، وكان أبو مالك يجيب فيها كلها"( ). والمقصود هنا بكلمة اللغة مجموع المفردات ومعرفة دلالاتها . وبهذا المعنى كانت كتب الطبقات تميز بين المشتغلين بالنحو أو العربية من جانب والمشتغلين باللغة من الجانب الآخر ، لذا عد سيبويه والمبرد من النحاة بينما عد الأصمعي وأقرانه من اللغويين . وقد ظل استخدام كلمة اللغة بهذا المعنى عدة قرون ، وأصبح "اللغوي" هو الباحث في المفردات جمعاً وتصنيفاً وتأليفاً. فالأصمعي لغوي لأنه جمع ألفاظ البدو وسجلها في رسائل لغوية مصنفة في موضوعات دلالية . والخليل لغوي لأنه أول من حاول حصر الألفاظ العربية وتسجيلها في معجم . وابن دريد لغوي أيضا لأنه ألف معجمه "جمهرة اللغة ". والأزهري لغوي لأنه ألف معجمه "تهذيب اللغة". وظل استخدام كلمة " اللغة" بمعنى بحث المفردات وتصنيفها في معاجم وكتب موضوعية سائداً في الدوائر العلمية عدة قرون . وهناك مصطلح ظهر في القرن الرابع الهجري عند اللغوي العربي ابن فارس (ت 395هـ) وأخذه الثعالبي (429هـ). لقد أطلق ابن فارس على أحد كتبه "الصاحبي في فقه اللغة " ، وبذلك ظهر مصطلح فقه اللغة لأول مرة في التراث العربي عنوانا لكتاب ، وتسمية لفرع من فروع المعرفة . ولم ينتشر هذا المصطلح إلا بقدر محدد ، وأشهر من استخدمه بعد ابن فارس -لغوي أديب هو الثعالبي ، فقد سمى كتابه "فقه اللغة وسر العربية " . يتفق كتابا ابن فارس والثعالبي في معالجتهما لقضايا الألفاظ العربية . فموضوع فقه اللغة عندهما هو معرفة الألفاظ العربية ودلالتها وتصنيف هذه الألفاظ في موضوعات وما يتعلق بذلك من دراسات ( ) . يضم كتاب ابن فارس إلى جانب هذا مجموعة من القضايا النظرية حول اللغة ، من أبرزها قضية نشأة اللغة ، فإذا كان العلماء قد اختلفوا في ذلك فرآها البعض " اصطلاحا" أي عرفا اجتماعيا فإن ابن فارس رفض هذا الرأي واعتبرها توقيفا ، أي بمنزلة الوحي المنزل من السماء ( ) . ولا يدخل موضوع اللغة ولا موضوع ارتباط اللغة بالوحي في إطار قضايا علم اللغة الحديث ؛ لأنه ليس من الممكن بحث الموضوعين بمعايير علمية دقيقة . كما تضمن كتاب الثعالبي قسما ثانيا هو سر العربية ، وقد تناول الثعالبي في القسم الثاني عددا من الموضوعات الخاصة ببناء الجملة العربية . ولكن المؤلفين متفقان على جعل فقه اللغة هو دراسة دلالات الألفاظ وتصنيفها في موضوعات. أما مصطلح " علم اللغة " فقد استخدم عند بعض اللغويين المتأخرين وكان المقصود منه دراسة الألفاظ مصنفة في موضوعات مع بحث دلالاتها. فالرضى الاستراباذي يفرق بين علم اللغة وعلم التصريف ، موضوع الأول : دراسة الألفاظ، والثاني : معرفة القوانين الخاصة ببنية هذه الألفاظ ( ). أما أبو حيان فقد ذكر مصطلح علم اللغة في عدة كتب له ، وموضوع علم اللغة عنده هو دراسة " مدلول مفردات الكلم " ( ) . ولا يختلف استخدام مصطلح علم اللغة عند ابن خلدون عن هذا المعنى ، فعلم اللغة عنده هو "بيان الموضوعات اللغوية " ، والمقصود بذلك الدلالات التي وضعت لها الألفاظ( ). وقد ذكر ابن خلدون في إطار كلامه عن علم اللغة الخليل بن أحمد وغيره من أصحاب المعاجم العربية . ويوضح كل هذا أن مصطلح علم اللغة كان يعني عند الرضي الاستراباذي وأبي حيان وابن خلدون وغيرهم ( ) دراسة المفردات وتصنيفها في معاجم وكتب . وهناك اصطلاح آخر أطلقه بعض المؤلفين على دراسة دلالات المفردات اللغوية وهو اصطلاح " علم متن اللغة" ( ) . وقد حاول المرصفي( ) وحمزة فتح الله استخدام هذا المصطلح بهذا المعنى : كما أطلق أحمد رضا أيضا على معجمه " متن اللغة ". وهكذا استخدم المؤلفون العرب قبل العصر الحديث - وتابعهم المؤلفون السلفيون في أوائل القرن العشرين بصفة خاصة مصطلحات اللغة وفقه اللغة وعلم اللغة ومتن اللغة في عناوين مؤلفاتهم أو وصفاً لجهود مؤلفي المعاجم وكتب المفردات اللغوية. 3- علم اللسان وعلوم الأدب والعلوم العربية : ترجع أول محاولة جادة ( ) لترتيب علوم اللغة في نسق واحد إلى الفارابي، وقد أطلق الفارابي على كل العلوم اللغوية اسماً شاملاً لها هو "علم اللسان " . يتألف علم اللسان عنده من عدة مجالات . يقابل " علم الألفاظ المفردة " في تصنيف الفارابي علم الدلالة في التصنيف الحديث . ويتناول " قوانين الألفاظ عندما تكون مفردة وعندما تركب " البحث في الأصوات وبناء الكلمة وبناء الجملة على التوالي . ولكن الفارابي أدخل في علم اللسان بعض الموضوعات التي لا تدخل في علم اللغة بالمعنى الحديث ، من ذلك " علم الألفاظ المركبة التي صنعها خطباؤهم وشعراؤهم ، أي دراسة الشعر والنثر، ومن ذلك أيضا " قوانين تصحيح الكتابة وقوانين تصحيح القراءة وقوانين الأشعار" ( ) . وهكذا ضم علم اللسان عند الفارابي علوم اللغة إلى جانب غيرها من العلوم والمهارات . ويدل مصطلح " علوم الأدب " عند ابن الأنباري على علوم اللغة : النحو واللغة والتصريف وعلم الجدل في النحو وعلم أصول النحو بالإضافة إلى العروض والقوافي وصنعة الشعر وأخبار العرب وأنسابهم ( ). أي أن علوم الأدب تشمل عند ابن الأنباري مجموعة العلوم اللغوية والأدبية وما يتعلق بها من معارف . وكان ابن الأنباري أول من اعتبر " علم أصول النحو " أي مناهج البحث النحوي علماً قائماً بذاته ، وقد ألف فيه محتذياً حذو المؤلفين في علم أصول الفقه. يقول ابن الأنباري " أصول النحو هي أدلة النحو التي تفرعت عنها فروعه وفصوله كما أن معنى أصول الفقه أدلة الفقه التي تفرعت عنها جملته وتفصيله". والأديب عند ابن الأنباري وعند ياقوت الحموي هو المشتغل بهذه العلوم اللغوية والأدبية وما يرتبط بها من معارف . وبهذا المعنى ألف ابن الأنباري كتابه " نزهة الألباء في طبقات الأدباء " وألف ياقوت الحموي " إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب ". أما تصنيف السكاكي لعلوم اللغة فيقوم على أساس " مثارات الخطأ" فالخطأ اللغوي يمكن أن يكون في بنية الكلمة المفردة وهذا موضوع علم الصرف ، وقد يكون في تأليف المفردات داخل الجملة وهذا موضوع "علم النحو" ، وقد يكون في مطابقة العبارة للمعنى وهذا موضوع علمي " المعاني والبيان " . واعتبر السكاكي علوم الصرف والنحو والمعاني والبيان بالإضافة إلى علم اللغة مجموعة علوم متكاملة انتظمت عنده في نسق واحد( ). وكان أبو حيان النحوي أول من أطلق مصطلح " علوم اللسان العربي" على علوم اللغة . وقد تابعه ابن خلدون في استخدام هذا المصطلح. تضم علوم اللسان العربي عند أبي حيان علم اللغة وعلم التصريف وعلم النحو ، يتناول علم اللغة "مدلول مفردات الكلم " ويتناول علم التصريف "أحكام مفردات الكلم قبل التركيب ". أما علم النحو فيتناول أحكام مفردات الكلم " حالة التركيب " وبذلك كان دون غيرها من العلوم( ). ولا يقتصر مجال علوم اللسان العربي عند ابن خلدون على النحو واللغة بل ضم إليهما علم البيان وعلم الأدب . وبذلك لم يفصل ابن خلدون بين علوم اللغة بمعناها المحدد والدراسة الأدبية ( ). ويقوم تصنيف طاشكبري زاده للعلوم اللغوية وما يتعلق بها من دراسات على أساس التمييز بين ما يتناول "المفردات " من جانب وما يتناول "المركبات " من الجانب الآخر ( ) . ذكر طاشكبرى زاده أن دراسة المفردات تتناول مجالات خمساً، أولها : علم مخارج الحروف . ويعد هذا المصطلح أول تسمية محددة شاملة لما يطلق عليه في العصر الحديث " علم الأصوات". فإذا كانت الدراسة الصوتية قديمة في التراث العربي فإن سيبويه والخليل ومن جاء بعدهما لم يضعوا لها تسمية خاصة وشاملة إلى أن جاء طاشكبرى زاده وحاول في تصنيفه للعلوم أن يخصص هذه الدراسة . فأطلق عليها علم مخارج الحروف ، وجعل هذا العلم أول مجالات البحث اللغوي ، وبهذا اتفق طاشكبرى زاده مع ما تعارف عليه اللغويون المحدثون بعده يقرون . يتناول علم مخارج الحروف " معرفة تصحيح مخارج الحروف - كيفية وكمية- وصفاتها العارضة لها بحسب ما يقتضيه طباع العرب ... ويستمد من العلم الطبيعي وعلم التشريح " . ويتضح من تحديد طاشكبرى زاده لمكان علم مخارج الحروف في أول مجالات البحث اللغوي إدراكه العميق لأهمية علم الأصوات ، بل ويعد فهمه لعلاقة البحث الصوتي بالعلم الطبيعي وبعلم التشريح سابقاً لعصره ولكثيرين ممن جاءوا بعده. وإلى جانب علم مخارج الحروف تضم دراسة المفردات عند طاشكبرى زاده : " علم اللغة " ويبحث "جواهر المفردات وهيئاتها من حيث الوضع للدلالة على المعاني الجزئية " ، كما يضم " علم الوضع" ويبحث في "تفسير الوضع وتقسيمه إلى الشخصي والنوعي والعام والخاص " ، والمقصود بذلك دراسة الدلالات التي وضعت لها الألفاظ ويضم أيضا " علم الاشتقاق " وموضوعه " كيفية خروج الكلم بعضها عن بعض " ، وآخر مجالات دراسة المفردات : " علم الصرف" ( ). وعلى هذا تتناول دراسة المفردات عند طاشكبرى زاده ما يقابل علم الأصوات وعلم بنية الكلمة وعلم الدلالة في مجالات علم اللغة الحديث . أما بنية الجملة فقد جعلها طاشكبرى زاده الموضوع الأول للبحث في المركبات ، وتضم دراسة المركبات عنده النحو والمعاني والبيان والبديع والعروض والقوافي الخ ( )... وبذلك ضم طاشكبرى زاده هذه الدراسات الأدبية مع علم النحو في إطار واحد. ويتفق التهانوي في تصنيفه لِما أطلق عليه "العلوم العربية " مع تصنيف هذه العلوم عند طاشكبرى زاده اتفاقاً بعيداً ولكن التهانوي لم يخصص لعلم الأصوات قسما مستقلا كما فعل طاشكبرى زاده ، بل بدأ التهانوي حصره للعلوم العربية بعلم اللغة ، ثم جاء علم الصرف ، وعلم الاشتقاق ، وعلم النحو ، وعلم المعاني ، وعلم البيان ، وعلم العروض ، وعلم القافية الخ ( ) .. وقد ظل مصطلح " العلوم العربية" مستخدما عند أصحاب الثقافة السلفية في العالم العربي الحديث . فقد صنف الشيخ حسين المرصفي العلوم العربية إلى علم " متن اللغة " ، و " وفقه اللغة " ، و " علم الصرف " ، و " علم النحو " ، والفرق بين علم متن اللغة وفقه اللغة عند المرصفي أن الأول يبحث في " أوضاع الألفاظ لمعانيها" ، والثاني يبحث الألفاظ " باعتبار تخالفها في المعاني التي وضعت لها" ( ) . أي أنه يعتبر علم متن اللغة هو معرفة المعاني الحقيقية للألفاظ وفقه اللغة هو دراسة الفروق في المعاني . وهكذا تنوعت التسميات التي أطلقت في مراحل تاريخية مختلفة على مجالات البحث في اللغة ، ولذا تعتبر هذه المصطلحات جزءا من تاريخ البحث اللغوي . | |
|