النثر الجاهلي
النثر هو كلام اختيرت ألفاظه وانتقيت تراكيبه وأحسنت صياغة عباراته بحيث يؤثر في المستمع عن طريق جودة صنعته. فهو يختلف عن الكلام العادي الذي يتكلم به الناس في شؤونهم العادية. وأنواع النثر الجاهلي هي: الخطابة والأمثال والحكم والقصص وسجع الكهان. وسجع الكهان يتصف بقصر جمله وكثرة غريبه والتوازن في عباراته، ويحرص الكاهن على إخفاء كلامه باتباع هذا الأسلوب، والخطابة من أبرز أنواع النثر في العصر الجاهلي، وتتلوها من ناحية الأهمية: الأمثال؛ لسيرورتها بين عامة الناس وخاصتهم ولهذا فسنتناول هذين النوعين بشيء من التفصيل.
أ ـ الخطـابة:
الخطابة كلام جيد المعاني متين الأسلوب مؤثر في من يستمع إليه، يخاطب به جمهور من الناس، بهدف استمالته إلى رأي معين، أو إقناعه بفكرة، أو إرشاده إلى طريق يسير فيه، أو منعه من الانحراف في ضلالة. والخطبة شائعة بين الناس في العصر الجاهلي؛ لأنهم يحتاجون إليها في حياتهم العامة وأكثر ما تقال في أماكن اجتماعاتهم مثل الأسواق أو اجتماعهم لحرب.
دواعيها: والدواعي إلى الخطابة كثيرة متنوعة، فهم يحتاجون إلى حث المقاتلين على القتال في حالة الحرب كما فعل هانئ بن مسعود الشيباني في يوم ذي قار، ويحتاجون إلى الخطابة في تهنئة الملوك كما فعل عبد المطلب بن هاشم في تهنئة سيف بن ذي يزن عندما طرد الأحباش من اليمن، ومن دواعيها التفاخر بين حيين، والدعوة إلى السلم عندما تمل الحرب. ومن دواعيها التعزية والنصح والإرشاد.
والخطبة في الجاهلية لها دور فعال في تهذيب الناشيء وتبصير الكبير؛ لأنها تشتمل على المثل السائر والحكمة الصائبة. وهي تكون طويلة وقصيرة ولكنهم يفضلون الخطبة التي تجمع المعنى الكثير تحت اللفظ القليل، وقد يلجأ الخطيب إلى الخيال ليستميل المستمعين أو يخوفهم.
أسلوبهـا: أسلوب الخطبة في الجاهلية يغلب عليه السجع، فالخطبة تتكون من جمل قصيرة مسجوعة متوازنة وهذا ما نجده في خطبة قس ابن ساعدة الإيادي في سوق عكاظ وفي خطبة عبد المطلب بن هاشم أمام سيف ابن ذي يزن، وفي خطبة هانيء بن مسعود الشيبانى في يوم ذي قار. وقد تنهج الخطبة أسلوباً مرسلاً لا يقيده السجع ولا التوازن ولا الجمل القصيرة.
صفات الخطيب: لا يتصدى للخطابة إلا من ملك زمام الفصاحة وكان ثابت الجنان، حاضر البديهة، ويمدح الخطيب بجهارة الصوت، وكثرة الريق، وعدم التلفت، ويعاب بالتنحنح والارتعاش، والحصر والعِيّ والتعثر في الكلام، وكثرة مسه للحيته وشاربه[1] ومن عادة الخطيب أن يخطب واقفاً أو يخطب وهو على راحلته، وإذا خطب واقفاً اختار مرتفعاً من الأرض واتكأ على عصا، ومن عادة الخطيب أن يضع العمامة على رأسه.
والخطيب له مكانة ومنزلة تتجاوز منزلة الشاعرة؛ ذلك أن الشاعر قد يتكسب بشعره كما يفعل النابغة والمتلمس وطرفة والأعشى، وأما الخطيب فإنه لا يقول خطبته إلا في الدفاع عن القبيلة أو تبيين حقوقها فالخطيب لا يتكسب بخطبته كما يفعل الشاعر.
ومن خطباء الجاهلية هاشم بن عبد مناف، وابنه عبد المطلب، وزهير ابن جناب، وقيس بن خارجة بن سنان، وأكثم بن صيفى، وقس بن ساعدة، وهانيء بن مسعود الشيباني، وحاجب بن زرارة، والحارث بن عبّاد البكرى